تأوي حدائق الحيوانات الموزعة بين محافظات قطاع غزة العديد من الحيوانات البرية التي يتم صيدها داخل القطاع نفسه بواسطة صيادين مهرة اعتادوا على مهنة صيد الحيوانات البرية منذ زمن، و لعل اللافت هنا أن تصطاد حيوانات برية كبيرة نسبيا كان سكان قطاع غزة يعتبرونها مختفية و غير موجودة منذ عقود نظرا لضيق مساحة قطاع غزة (365 كم2) و الكثافة السكانية المرتفعة و تدمير و تعديل الموائل البيئية التي كانت يوما ما تأوي مثل تلك الحيوانات. و مما ساعد أيضا في اختفائها السياج الحدودي الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي حول قطاع غزة و كثرة المستوطنات التي قطعت أوصال القطاع و كثافة العمليات و الإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي قام و لا زال يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي على أرض قطاع غزة و هذا كله ساعد في تدمير البيئة الفلسطينية الطبيعية و أثر سلبا على ما تكتنزه من حياة برية.
توجد في قطاع غزة حاليا أربع حدائق حيوان هي حديقة حيوان الشمال في بيت لاهيا، و حديقة حيوان غزة في منطقة الزيتون، و حديقة حيوان الوسط في مخيم البريج، و حديقة حيوان رفح في حي البرازيل، إن الزائر لتلك الحدائق - رغم محدوديتها و صغر حجمها – ليجد فيها ما ينمي جانب المعرفة عنده بحيوانات البيئة الفلسطينية المتنوعة التي كثيرا ما تتناولها قصص و حكايات الأجداد لأحفادهم و من تلك الحيوانات المتواجدة ابـن آوى الذهبي أو ما يسمى محليا بـ "الواوي" الذي يتم صيده من المناطق الشرقية لقطاع غزة حيث الطبيعة شبه الجافة التي يحبذها و التي تنعم ببساتين الحمضيات و اللوزيات و الزيتون و كذلك بحظائر الماشية و الدواجن التي قد يغير عليها ابن آوى الذهبي فينعم بصيد وفير. يتم صيد العشرات من ابن آوى الذهبي باستخدام الفخوخ المعدنية التي كثيرا ما تستخدم لصيد الأرانب البرية أو باستخدام المصائد الحية أو ما تسمى محليا بـ "الملاطش" و هي عبارة عن صناديق ذات شباك معدنية مزودة بالطعوم المختلفة التي تغري الحيوان فيدخلها و بالتالي يقع صيدا مجزيا لأصحابها. يبلغ ثمن ابن آوي الذهبي المصطاد و المباع لحدائق الحيوان في قطاع غزة حوالي 200 دولارا كما أفاد بذلك بعض أصحاب تلك الحدائق.
ابـــن آوى الذهبي
ابن آوى الذهبي أو الواوي (Golden Jackal) و يسمى أحيانا بابن آوى الآسيوي أو ابن آوى الشائع (سمي ابن آوى لأنه يجتمع عند سماعه لعواء أبناء جنسه) هو حيوان ثدي متوسط الحجم ينتمي لعائلة الكلبيّات (Canidae) التي تضم الذئاب و الكلاب و الثعالب وهو يشبه الكلاب البرية كثيراً و يتبع رتبة الضواري أو آكلات اللحوم (Carnivores) و يحمل الاسم العلمي (Canis aureus) وهو ذو لون أصفر مخلوط باللون الرمادي و قد يتغير لونه تبعا للعمر و الموسم و المنطقة، و يبلغ طوله حوالي 70-85 سنتيمتراً بينما يبلغ طول ذيله حوالي 25 سنتيمتراً و ارتفاعه حوالي 40 سنتيمتراً و يزن جسمه حوالي 8-10 كجم و عادة تكبر الذكور الإناث حجما و يعيش ابن آوى لمدة 7-9 سنوات في البيئة أما في الأسر فقد يصل عمره إلى 16 سنة. و في كثير من الدول تعتبر بنات آوى (جمع ابن آوى لكون ابن آوى هو اسم لغير العاقل بدأ بابن، لذلك فإن حكمه هو الجمع جمع مؤنث سالم) من الحيوانات المألوف رؤيتها في رحلات الحياة البريّة (السفاري) وهي تتواجد خارج المنتزهات الوطنيّة في كثير من الأحيان وفي الأراضي الزراعيّة و حتّى القرى و المستوطنات البشريّة.
يتواجد ابن آوى الذهبي في البلاد الدافئة في كل من قارتي آسيا وإفريقيا كما أنه يتواجد في جنوب شرق أوربا و هو الوحيد من أنواع بنات آوى الأربعة الذي يتواجد في شمال أفريقيا و هو الأكثر شيوعا فيها، و في فلسطين فإنه يشاهد كثيراً حول القرى وفي منطقة الأغوار و صحراء النقب و غالبا ما يفضل العيش في المناطق الجافة المفتوحة و الأراضي العشبية الجافة وهو ينشط ليلا خاصة في المناطق التي يعمرها الإنسان ليتغذى على الأرانب و صغار الغزلان والقوارض والسحالي و العظاءات و الأفاعي و الضفادع والطيور و الأسماك و الحشرات و الفواكه و لا يحاول ابن آوى الذهبي صيد الثدييات الكبيرة لكنه كثيراً ما يحاول أن يسطو ليلاً على القرى والمزارع لسرقة الدجاج وصغار الحيوانات وهو رمّام (Scavenger) يقتات بالجيف أيضاً. ويسمى أيضاً مائن السبع لأنه قد يشارك السبع فيما أدركه من الصيد مكتفياً بالقليل منه. و يفضل ابن آوى الصيد التعاوني لأن كفاءته تبلغ تقريبا ثلاثة أضعاف الصيد الانفرادي و غالبا ما تصطاد الذكور و تحضر الطعام للإناث أثناء فترة الحمل، و في شمال فلسطين يستخدم السم و صيد الأقفاص لقتل ابن آوى الذهبي لما يسببه من أذى للمزارعين حيث يهاجم ممتلكاتهم و صغار مواشيهم. ومن عادات ابن آوى الذهبي أنه لا يعوي إلا ليلاً أو عندما يستوحش ويقضي نهاره في الأدغال والجحور أو في الماء وذلك عند اشتداد الحرارة. تبلغ مساحة إقليم (Territory) ابن آوي الذهبي حوالي ثلاثة أميال مربعة و غالبا ما يؤشر الذكر و الأنثى حدود إقليمهما بالبول ليمنع الغزاة من دخوله.
يصل ابن آوى الذهبي بلوغه الجنسي عند 11 شهرا و تلد أنثاه من اثنين إلى أربعة من الصغار (Pups) و قد يصلوا أحيانا إلى تسعة بعد حمل لمدة تسعة أسابيع و ذلك في شق صخري أو في جحر تحت الأرض، يبلغ وزن المولود من 200-250 جرام و تفتح عيناه بعد 10 أيام. ترضع الصغار من الأم لمدة شهرين تقريبا و تفطم عل ثلاثة وتبقي ملازمة لأمها لمدة قد تصل إلى سنة قبل استقلالها.
و عن مضار ابن آوى الذهبي للإنسان فهو يغير على مزروعاته و محاصيله لاسيما الشمام و الذرة و قصب السكر و كذلك فهو انتهازي يهاجم صغار الماشية ليسرقها و يتغذى عليها و لهذا يلجأ المزارعون لإحكام سياج مزارعهم و حظائرهم لتجنب هجوم ابن آوى الذهبي عليها. ينقل ابن آوى الذهبي كما الكثير من أفراد عائلة الكلبيّات (Canidae) مرض الكلب أو الصرع (Rabies) للإنسان و قد يهاجم ابن آوى الذهبي صغار الأطفال فيقتلهم حيث سجل ذلك في بعض الدول. أما عن منافع ابن آوى الذهبي للإنسان فهو يعتبر من منظفات البيئة كونه يتغذى على القمامة و يترمم على جثث الحيوانات النافقة كما أنه يفيد الزراع بتغذيته المستمرة على القوارض و الأرانب التي تعتبر آفات زراعية فيمنع زيادة عشائرها. قد تصطاد بنات آوى أحيانا للحصول على فرائها و في بعض الدول قد تربى في البيوت مثل الكلاب المستأنسة بغرض الحماية. يحتل ابن آوى الذهبي كثيرا من قصص سكان دول الشرق الأوسط لكونه يتمتع بنفس سمعة الثعلب من المكر و الدهاء.
يتواجد ابن آوى الذهبي بكثافة عالية في الأماكن ذات الكساء و الغذاء الوفير و يحتل مدى واسع من المواطن و الموائل البيئية في مناطق انتشاره و ذلك لأنه حيوان قارت (Omnivore) حيث يتغذى على مصادر حيوانية و نباتية معا، فهو يعتبر حيوانا شائعا و غير مهدد بحسب قوائم الإتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة (Union for Conservation of Nature and Natural Resources - IUCN).