يوميــــــات رجل قانون
قصدت القصر العدلي لحضور جلساتي ،يرافقني احد المدربين في مكتبي ،قصدنا اولا محكمة صلح الجزاء ال ...في ...ووجدنا القاعة مكتظة بالمحامين والمراجعين ...فلم ندخل وقصدنا محكمة اخرى ...على ان نعود بعد ذلك ،الا ان صراخا علا في الممر، مصدره قاعة المحكمة المذكورة ...فأعادني فضولي الى القاعة المكتظة ، لأرى مقام القاضية الموقر ة تقف على القوس وتصرخ بأعلى صوتها متلاسنة مع احد المواطنين وهو كبير بالسن قائلة :
- انا بامكاني ان اضعك بالسجن الآن ...حاضر...
- انت موقوف..... والمواطن المسن قال لها : حاضر..حاضر..فبقيت واقفة ...تتكلم بعصبية
واتضح لي ان المواطن المسن هو احد الشهود في قضية منظورة امام المحكمة وعادت الامور الى مجاريها نسبيا وطرحت سيادة القاضية سؤالا على الشاهد المسن هل رأيت المدعي يسلم المدعى عليه فلان مبلغ...كيف؟ولماذا؟ والله يا بنتي .....ولم يستطع الاكمال
غضبت القاضية من جديد ،صارخة(انت وين آعد) انت في محكمة كل عبارة ،تقول لي يا بنتي ،وهنا اجاب المواطن المسن بحدة اقل من حدة ولهجة القاضية :الى الآن لم اعرف انني اقف في محكمة ...وامام قاضية ...وهل عبارة والله يا بنتي جريمة يعاقب عليها القانون ...ولماذا هذا الصراخ بين الفينة والاخرى ؟...،فأنا لأول مرة أدخل محكمة وأقف فيها مثل هذا الموقف ..ولكني قرأت وسمعت يا سيادة القاضية أن القاضي يتسم بسعة الصدر والرزانة المفرطة وليس يغضبه كلمة يا بنتي ؛فأنت بسن حفيدتي التي تدرس بالجامعة كمعيدة وهي تدرس في كلية الحقوق أيضا وابني طبيب وعندي آخر مهندس ...وآخر يختص في...فليس عيبا في ان اقول لكي يا بنتي ،او خطأ ..وليس عيبا عليك ان تقبليها مني ..فأنا لست من الشارع وسني يتجاوز خمس وسبعين عاما ..تقولي لي ما عم تفهم أنك واقف أمام محكمة .فالقاضي يابنتي لا يفرض نفسه على العالم ،بل تصرفاته وسعة صدره واحتوائه للمساكين من سني هو الذي يجعل منه قاضيا ،وليس الصراخ والتقليل من قدر البشر...تكلم كل هذاالكلام وسيادة القاضية تحاول وبأعلى صوتها اسكاته ومقاطعته سأكمل كلامي يا...لا أريد أن أعيد كلمة يا بنتي...وبعد كلامي تصرفي ماشئت ...دعنا نعود الى الشهادة ...
فاناأعتذرعن الادلاء بشهادتي في هذه الجلسة بعد هذه الحدة بتصرفاتك فأنا لست مستعد لها واطلب من مقام المحكمة الموقرة تأجيل سماعي لجلسة قادمة ..
أنت موقوف..
يا مقام المحكمة الموقرة ...ليس بوسع المحكمة توقيفي بدون ذنب وما المادة التي تعاقبني فيها علىقول كلمة يا بنتي تدخل في هذه الأثناء قاضي شاب آخروبعض الزملاء واستأذنوا المحكمة واخذواالرجل المسن وصاحبتهم الى غرفة أحد القضاة وتم حل الموضوع والاشكال الحاصل بين القاضية وهذا الرجل من يتحمل مسؤولية هذه التراجيدية على قوس المحكمة أهي القاضية أم المواطن أم أن خللا فاضح في انتقاء القضاة وتعيينهم ؟..فالى جميع المسؤولين عن هذا الامر ..أسمح لنفسي برفع توصية ضمن هذا المقال اليكم أرجوكم أخذها بعين الاعتباروهي البحث عن العناصرالموهوبة في هذا المجال ..فشهادة الحقوق لا تكفي لامتطاء سدة القضاء ولا التفوق بهذه الشهادة يشفع بامتطائه،فشخصية القاضي شخصية مميزة لا تستطيع أن تجدها بكل شخص ولا بكل حقوقي فهي شخصية فريدة بالمجتمع يجب البحث عنها على مدرجات كلية الحقوق أول بأول كما أرجو أن يكون سن القاضي اضافة لما سبق أن لا يقل عن ثلاثين عاما يتمتع بالنضوج العقلي والاجتماعي حتى يقتنع به كل من المواطن الباحث عن حقه .... والمواطن الذي سلب هذا الحق .. وهذه الهالة التي يضفيها القاضي بشخصيته لها تأثير كبير على المتقاضيين .. عل ذلك يغيد بعض الثقة المفقودة لدى غالبية افراد المجتمع بالقضاء .
واعلموا ان هناك بعض القضاة الذين يتمتعون بأعلى قدر من الاحترام والتقدير ومنهم من امتطى منصبا يستحقه ويستحق اعلى منه في هذه الايام يتمتعون بارفع الاخلاق والصفات. فإذا مادخلوا القصر العدلي يقف جميع المحاميين على طرفي طريق يفسحون لهم طريقا والكل يسارع بالسلام والتحية والانحناء ........وزملائهم من نفس الرتبة يدخلون ويخرجون وليس من احد يشعر بهم .
أليس هذا مرتبطا بشخصية القاضي ...؟
(واختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لاتضيق به الامور ولاتمله الخصوم ولايتمادى في الزلة ، ولايحصر من الفيء الى الحق إذا عرفه ولاتشرف نفسه على طمع ولايكتفي بأدنى فهم دون اقصاه ، وأوقفهم في الشبهات ، واخذهم بالحجج ، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الامور عند اتضاح الخصم ، ممن لايزدهيه إطراء ولا يستمليه إغراء وأولئك قليل )(نهج البلاغة
الى هنا اخوتي اختم نقلي لهذه القصة واسئلكم..هل افاد هذه القاضية تعليمها..بشيء؟!
فما التعليم من دون تربية..؟ وما الحياة من دون اخلاق؟