السلام عليكم ورحمة
الله تعالى وبركاته
بسم الله ،
والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد ومن ولاه
|~| أما بعد
|~|أهلا بزاور منتدانا
الغالي ولكل رواده وأعضاه
الاوفياء
.
[size=21]الدولة المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها
طرح الإشكال:
السلطة ظاهرة محايثة للاجتماع
البشري. ومادامت السلطة تقتضي الامتثال والخضوع، فإنها تحتاج دوما إلى تبرير
وشرعنة، بما في ذلك سلطة الأب على أبنائه! هكذا يجد كل ذي سلطة نفسه مطالبا دائما
بتبرير سلطته، وعندما تتخذ السلطة شكل دولة، فإنها تواجه بدورها سؤال التبرير
والمشروعية:
لماذا الدولة؟ وما غايتها؟ ما علاقتها بالأفراد المكونين لها؟ هل
تستمد الدولة من الفرد مبدأ وجودها أم أن الفرد هو الذي يستمد من الدولة مبدأ وكمال
وجوده؟ هل الدولة في خدمة الفرد أم الفرد في خدمة الدولة؟
معالجة الإشكال:
1- موقف
التصور التعاقدي والمذهب الفرداني: الفرد غاية الدولة
للبحث في
مشروعية الدولة وتعيين غاياتها يلجأ التصور التعاقدي إلى البحث أولا في منشئها،
انطلاقا من فرضية حالة الطبيعة. يقول لوك: " لكي نفهم السلطة السياسية فهما صحيحا
ونستنتجها من أصلها ينبغي أن نتحرى الحالة الطبيعية التي وجد عايها جميع الأفراد"
هنا تظهر الدولة كمجرد اتحاد بين أفراد يتمتعون بحقوق طبيعية سابقة زمنيا على ظهور
الدولة رغبوا لهذا السبب أو ذاك في تيسير العيش المشترك، وأولى حقوقهم هي إرادتهم
التي جسدوها في هذا العقد. ينتج عن ذلك أن لا حقيقة ولا وجود للدولة قبل الفرد،
الفرد مقدم و سابق عليها، منه تستمد مبرر وجودها ومن ضمان مصالحه تشتق غاياتها.
ولذلك يقترن التصور التعاقدي أحيانا بالمذهب الفردي وأحيانا أخرى بالليبرالية
ماذا ينتظر من الدولة؟ وما غاياتها؟
يميز جون لوك بين الخيرات المدنية
والخيرات الدينية أو نجاة الأرواح. وتتمثل الأولى في خيرات ذاتية كالحياة والحرية
وسلامة البدن وخيرات خارجية كالأرض والنقود وما سواها من الممتلكات، أما الخيرات
الدينية فهي تقوى النفس ونجاتها من الضلال والشقاء الأبدي في الآخرة. و اختصاص
الدولة بوصفها سلطة مدنية يقتصر على حماية الخيرات المدنية أما ترامي سلطانها إلى
الخيرات الدينية فلن ينجم عنه سوى الحرب وتقويض السلم المدني
2- موقف التصورات الكليانية: الدولة غاية ذاتها
بيد أن
تقديم الفرد على الدولة - كما رأينا مع التصور التعاقدي والليبرالي- لا يعني عند
بعض الفلاسفة سوى خراب هذه الأخيرة! إذ كيف يعقل أن يستمد مبدأ الكل من الجزء
والدائم من العرضي؟
تتمثل غاية الدولة عند أفلاطون في تحقيق السعادة، لا بوصفها
سعادة الفرد، بل بوصفها نظام وانسجام الكل: وعليه لا يعدو الأفراد عن كونهم مجرد
لوالب في جوف هذه الآلة الضخمة المسماة دولة، يقومون بمهام تتناسب وطبائعهم التي
ولدووا بها، ينتجون وينجبون ويحاربون من أجل الدولة. فلا قيمة لرغباتهم أو مسراتهم
أو أحزانهم أو عواطفهم إلا بما يحقق لهذه الأخيرة النظام والانسجام.
وفي العصر
الحديث، يرفض "هيجل" بدوره التصور التعاقدي السابق لكونه يجعل غاية الدولة "خارجية
" عندما يحصرها في تحقيق السلم والحرية وحماية ممتلكات الأفراد. فالدولة بهذا
المعنى ستكون مجرد وسيلة لتحقيق أهداف خارجة عنها، أهداف يعتبرها "هيجل" خاصة
بالمجتمع المدني، كمجال لإشباع حاجيات الأفراد اليومية والانتاج الاقتصادي وللتنافس
بينهم في ظل تعارض مصالحهم الخاصة، في حين أن الدولة تمثل غاية في ذاتها بوصفها
تجسيدا للمطلق. و ككيان ينتزع الفرد من الخصوصية والأنانية ليسمو به إلى مستوى
الكونية ويحقق اكتماله الأخلاقي، وذلك لأنها هي الجوهر الأخلاقي وقد وصل إلى الوعي
بذاته.
نخلص إلى أن هيغل يقدم الدولة على الفرد ويجعلها سابقة على الأسرة
والمجتمع المدني نفسيهما لأن فكرتها محتوية لهذين العنصرين معا: ففي حضن الدولة فقط
تستطيع الأسرة أن تتحول إلى مجتمع مدني.
ويبدو أن الماركسية لم ترث عن
الهيغيلية منهجها الدياليكتيكي فحسب، بل تصورها الكلياني للدولة بإسم أولوية
الجماعة على الفرد، وانتهت إلى صهر هذا الأخير وإلغائه لصالح الدولة وأجهزتها
البيروقراطية والبوليسية: لقد غدت الدولة فعلا غاية في ذاتها وهذا ما تجلى واضحا في
بعض الأشكال الواقعية للدولة في الكثير من البلدان الاشتراكية ودول العالم الثالث
المحور الثاني: طبيعة السلطة
السياسية
طرح الإشكال:
وفق أي منطق وبموجب أي مبدأ تمارس
السلطة السياسية؟ هل يمكن أن تنضبط هذه السلطة للمبادىء الأخلاقية، أم أن منطق
العمل السياسي وإكراهاته يتعارض كليا مع منطق الأخلاق وإلزاماتها وقيودها، على أساس
أن السياسة مجال الممكن، والأخلاق مملكة الواجب؟ ماهي غاية الفعل السياسي؟ الفضيلة
أم الفعالية ؟
معالجة الإشكال:
1- التصور الأخلاقي لطبيعة السلطة السياسية: السياسة
رفق واعتدال
بتأثير من أرسطو، وإلى حدود الفلسفة الحديثة، سيطرت على
الفلسفة السياسية مقولة الاعتدال ضمن تصور يعتقد في وحدة الأخلاق والسياسة على أساس
أن السياسة هي المجال الأوسع للممارسة الأخلاقية وأنها كمال الفلسفة العملية بوصفها
تدبيرا للمدينة يتوج تدبير النفس و تدبير للمنزل معا. وقد عبر عن ذلك أستاذه
أفلاطون حينما تمنى أن يكون الحاكم فيلسوفا أو أن يصير الفلاسفة حكاما ليحصل الجمع
بين السلطة والحقيقة، مادام الفلاسفة على حد تعبير أفلاطون هم أصدقاء وحلفاء
الحقيقة والعدالة والشجاعة والعفاف، أصحاب العقول المولعة دائما بالعلم الذي يتناول
الدولة بكاملها ليقيم تنظيمها الداخلي على أفضل وجه ممكن مستلهما قوانين الجمال
والخير والعدل
في إطار هذا التصور الأخلاقي للمجال السياسي وللسلطة السياسية،
يوصي ابن خلدون أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق في التعامل:
فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر
والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم ، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة
والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن.
كما يتوجب عليه التحلي
بالاعتدال الذي هو الوسط بين الذكاء بما هو إفراط في الفكر والبلادة بما هي إفراط
في الجمود مثلما أن الكرم وسط بين التبذير والبخل، والشجاعة وسط بين التهور والجبن
من جهة أخرى.
← هكذا فإن ابن خلدون يحدد طبيعة السلطة السياسية في التشبث
بمكارم الأخلاق المتمثلة أساسا في الرفق والاعتدال. ولكن إلى أي حد تستطيع الأخلاق
أن تنسجم وطبيعة السلطة السياسية في الممارسة العملية؟
2- التصور البراغماتي الواقعي لطبيعة السلطة السياسية:
أحدث كتاب "الأمير" قطيعة مع الفلسفة السياسية السابقة ذات المنحى
الطوباوي المثالي، فلم يعد السؤال عند ميكيافيلي هو "كيف تمارس السلطة وفق المبادئ
الأخلاقية أو الدينية؟" ، بل السؤال هو: "كيف يمكن الحصول على السلطة والمحافظة
عليها؟" لذلك ينصح ميكيافليي الأمير باستخدام طريقتين من أجل تثبيت سلطته السياسية:
الأولى تعتمد القوانين ولكنها غير موفية بأغراض الحكم، أما الثانية فتعتمد على
القوة والبطش، جنبا إلى جنب مع المكر و الدهاء. وإذا استخدمنا استعارة لا تخلو من
دلالة من مملكة الحيوان، فعلى الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب، وأن يكون
ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الفخاخ.
وقد تبين من شواهد التاريخ حسب ميكيافلي أن
هناك أمراء أصبحوا عظماء دون أن يلتزموا بالمبادئ الأخلاقية السامية، كالمحافظة على
العهود مثلا، بل قد استخدموا كل وسائل القوة والخداع للسيطرة على الناس والتغلب على
خصومهم.
يعترف ميكيافيلي بأن مبادئ السلطة السياسية التي يبشر بها ستكون شريرة،
ولكن في حالة واحدة وهي تلك التي يكون فيها جميع الناس أخيارا ! والواقع أنهم ليسوا
كذلك، ومن ثم لا يلزم أن ينضبط الأمير للمبادىء الأخلاقية في تعامله معهم، بل لا بد
أن تكون له القدرة الكافية على التمويه والخداع، وسيجد من الناس من ينخدع بسهولة.
وقد صور شكسبير بشكل رائع سهولة انخداع العامة في مسرحية "يوليوس قيصر" حيث تناوب
الخطيبان بروتوس وأنطونيوس على تجييش مشاعر العامة لصالحه رغم أن أولهما قاتل قيصر
والثاني صديقه المنادي بالثأر له !!
هكذا يتبين أن السياسة، مع ماكيافيلي،
تنبني على القوة والمكر والخداع.
المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف
طرح الإشكال:
يمثل العنف العدو المعلن لكل دولة. فما
من دولة في الماضي أو الحاضر إلا ورفعت شعار استتباب الأمن والنظام والعدالة والحق
، وبعبارة أخرى محاصرة نواتج العنف من رعب وفوضى وظلم ، ولكن هل يمكن للدولة أن
تحاصر العنف وتواجهه إلا بعنف مضاد أشد هولا ؟ وفي هذه الحالة كيف نضمن مشروعية هذا
العنف وقد غدت الدولة خصما وحكما في نفس الوقت ؟
معالجة الإشكال:
1- الدولة
واحتكار الاستعمال المشروع للعنف
من المفيد في البداية أن نرفع بعض
اللبس: لا تمثل الدولة المصدر الوحيد للعنف، فالمجتمع ينتج ويفرز بدوره عنفه الخاص،
سواء تعلق الأمر بالعنف المعزول للأفراد كالمجرمين أو عنف الجماعات ضد بعضها البعض
بسبب الطابع الانقسامي للمجمتع ( انقسامه إلى طبقات اقتصادية، أحزاب سياسية،
إثنيات، مشجعي الفرق الرياضية...)
ورغم أن الدولة تعلن العنف عدوها اللدود،
فإنها لا تستطيع مع ذلك مواجهته إلا بمثله أي بعنف مضاد، ولذلك لم يجد ماكس فيبر من
خاصية يعرف بها الدولة غير هذه الخاصية: "احتكار الاستعمال المشروع للعنف". صحيح أن
العنف ليس الوسيلة الوحيدة للدولة لكنه وسيلتها الخاصة بحيث تقوم بينها وبينه علاقة
حميمة، خصوصا بالنسبة للدولة المعاصرة التي خلقت لنفسها طبقة بيروقراطية ينفصل فيها
المنصب عن الموظف الذي يسميه فيبر "خادم الدولة الحديثة"، فغدت الدولة من حيث هي
أجهزة متمايزة عن المجتمع، مما اقتضى تجريد جميع أفراد المجتمع وهيئاته من حق
استخدام العنف: وهكذا لم يعد هناك سيد ليجلد عبده أو إقطاعي يعاقب أقنانه، أو زوج
ليضرب زوجته وأبناءه، وتزامن كل ذلك مع نزع الطابع العنيف عن العقوبات القضائية
الماسة بالسلامة الجسدية والاكتفاء بتلك العقوبات السالبة للحرية.
2- الدولة والعنف: علاقات ملتبسة
لا مراء في أن الدولة
المعاصرة تدعي لنفسها قانونيا احتكار الاستعمال المشروع للعنف، ولا يوجد اعتراض على
مبدأ الاحتكار في حد ذاته، بيد أن ممارستها لهذا الشيء المحتكر لا تخلو واقعيا من
مفارقات حتى في أكثر الدول ديموقراطية.
تتعلق المفارقة الأولى بثنائية الشرعية
والمشروعية: من اليسير على الدولة أن تثبت أن العنف الممارس ضد فرد أو جماعة كان
شرعيا محتجة بحفظ النظام أو استباق المخاطر... ولكن هل كان عنفا مشروعا؟ بل هل كان
ضروريا؟ وفي هذه الحالة، هل مورس ضمن الحدود التي لا تتعارض فيها مع حقوق الإنسان
وكرامته؟
تقحمنا هذه الأسئلة في قلب المفارقة الثانية المتعلقة بكمية العنف
اللازم لمواجهة عنف الأفراد والجماعات: كيف يمكن تقدير كمية العنف لوقف عنف مشجعي
فريق رياضي غاضبين؟ هل يحتاج الأمر إلى عنف أكبر من عنفهم أم أقل منه أو مساو له ؟
تلك هي الأسئلة التي تواجه السلطة القضائية باستمرار.
ومن جهة أخرى، وبسبب
احتكارها وتكديسها لوسائل وتقنيات العنف المعززة بتكنلوجيا تزداد تطورا يوما بعد
يوم، تتحول الدولة إلى نوع من الليفياتان/التنين، إلى عنف بدون حق خصوصا في غياب
إمكانية اللجوء إلى قاض ضمن فصل واضح للسلطات.
وأخيرا فإن احتكار الدولة للعنف
المشروع لا يكتسي كامل معناه عند فيبر إلا من واقعة استقلالها عن المجتمع
وتناقضاته، ولكن ما حقيقة استقلال الدولة عن المجتمع وحيادها؟ هل تقتصر وظيفتها على
التنظيم والتدبير المحايدين والمستقلين عما يعرفه المجتمع من نزعات وانقسامات
وتناقضات؟
تشكك الماركسية في هذه الاستقلالية المزعومة، لتخلص أن العنف المحتكر
من قبل الدولة لن يكون مشروعا أبدا في ظل مجتمع منقسم طبقيا. ذلك إن تناقض المصالح
الطبقية وما ينجم عنه من صراع يهدد بتيديد المجتمع قد فرض الحاجة إلى الدولة كسلطة
عليا تضع نفسها ظاهريا فوق المجتمع لتقلل من حدة الصراع وتبقيه ضمن حدود النظام أي
فرملة التناقضات القائمة بين طبقات المجتمع. غير أن الدولة وقد تولدت في قلب
الصراع، فلن تكون سوى دولة الطبقة المسيطرة اقتصاديا وأداة أخرى من أدوات تيسير
مهمة الاستغلال بالوسائل العنيفة ان اقتضى الأمر. إنها عنف طبقة ضد أخرى
[/size]